تجاوز العراق الارهاب مقارنة بين تجربة العراق وتجربة الجولاني في سوريا
**تجاوز العراق الإرهاب مقارنة بين تجربة العراق وتجربة الجولاني في سوريا**
*الحقوقية انوار داود الخفاجي*
على مدى العقدين الماضيين، واجه العراق تحديات أمنية وسياسية جسيمة نتيجة صعود الجماعات الإرهابية، التي استغلت الفراغ الأمني والسياسي عقب سقوط النظام السابق عام 2003. كانت هذه الجماعات، وعلى رأسها تنظيم “القاعدة” وتنظيم “داعش”، عاملًا رئيسيًا في زعزعة استقرار البلاد ونشر الفوضى. لكن العراق نجح، بفضل تضافر الجهود المحلية والدولية، في تجاوز هذه المرحلة الحرجة. على الجانب الآخر، شهدت سوريا تجربة مختلفة ولكنها متقاربة من حيث التحديات، حيث برزت شخصيات مثل أبو محمد الجولاني، قائد “هيئة تحرير الشام” (النصرة سابقًا)، كجزء من المشهد السوري المعقد الذي اتسم بتداخل الإرهاب مع الثورة والحرب الأهلية. هنا سنتناول مقارنة بين التجربتين العراقية والسورية في مواجهة الإرهاب.
*تجربة العراق في مواجهة الإرهاب**
بعد سقوط النظام العراقي عام 2003، استغل تنظيم القاعدة الانفلات الأمني في البلاد لتأسيس وجود قوي في العراق، ليتحول فيما بعد إلى تنظيم “داعش”. في عام 2014، تمكن “داعش” من السيطرة على مساحات واسعة من العراق، بما في ذلك مدينة الموصل، وأعلن “الخلافة”. كان هذا الحدث بمثابة صدمة كبيرة للعراق والعالم بأسره.
واجه العراق هذا التحدي من خلال تضافر الجهود العسكرية والسياسية. أُعيد بناء الجيش العراقي بدعم من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، وتم تشكيل الحشد الشعبي بفتوى مباركة من المرجعية العليا في النجف الاشرف والذي لعب دورًا كبيرًا في المعارك البرية. بدأت الحكومة العراقية، بدعم دولي، حملة عسكرية واسعة النطاق لاستعادة الأراضي المحتلة، وكانت أبرز المعارك هي معركة تحرير الموصل التي انتهت بالنصر عام 2017.
لكن تجاوز الإرهاب لم يكن مجرد انتصار عسكري؛ بل تطلب أيضًا معالجة الأسباب الجذرية التي أدت إلى صعود الجماعات الإرهابية، مثل الفقر، والبطالة، والطائفية، وضعف المؤسسات الحكومية وتفشي الفساد ورغم التقدم المحرز، لا تزال هناك تحديات أمنية وسياسية في العراق، حيث تظهر خلايا نائمة بين الحين والآخر.
*الجولاني وسوريا: وجه آخر للإرهاب**
في سوريا، برزت الجماعات الإرهابية في سياق مختلف. مع اندلاع الثورة السورية عام 2011 وتحولها إلى حرب أهلية، ظهرت جماعات مثل “جبهة النصرة” التي قادها أبو محمد الجولاني. وعلى الرغم من ارتباط النصرة بتنظيم القاعدة في البداية، إلا أن الجولاني سعى لاحقًا إلى تقديم نفسه كقوة محلية تسعى إلى إسقاط النظام السوري، بل وأعاد تسمية التنظيم إلى “هيئة تحرير الشام” في محاولة لفك الارتباط مع القاعدة وكسب الشرعية المحلية والدولية.
الجولاني حاول أيضًا تقديم نفسه كقائد براغماتي يسعى إلى تحقيق الاستقرار بعد سقوط النظام السوري . ومع ذلك، لا تزال هيئة تحرير الشام موصوفة كجماعة إرهابية من قبل العديد من الدول. أن تجربة الجولاني لا يمكن مقارنتها بتجربة العراق، حيث أن مشروعه بتقديم نفسه كشريك محتمل للمجتمع الدولي ضد الارهاب محاولا تميز نفسه عن تاريخه مع داعش ساعيا الى تحقيق الاستقرار في سوريا عن طريق خطواته بتشكيل حكومة واعطاء الضمانات لكسب الاعتراف الدولي.
*المقارنة بين التجربتين**
يمكن القول إن التجربتين العراقية والسورية في مواجهة الإرهاب تختلفان جذريًا من حيث السياقات والنتائج. في العراق، كان هناك جهد وطني ودولي مشترك لهزيمة الإرهاب، مما أدى إلى تحرير الأراضي واستعادة الدولة لسيطرتها. أما في سوريا، فإن المشهد أكثر تعقيدًا بسبب تعدد الأطراف المتدخلة، وغياب توافق دولي حول كيفية التعامل مع الجماعات المسلحة، بما في ذلك هيئة تحرير الشام.
الجولاني يمثل نموذجًا لقائد جماعة مسلحة يسعى إلى تحقيق أهدافه من خلال البراغماتية وتغيير الخطاب، لكنه لم يستطع تجاوز الوصمة الإرهابية بشكل كامل. في المقابل، العراق استطاع التغلب على الإرهاب بفضل تضافر الجهود الوطنية والدولية، رغم استمرار التحديات.
في نهاية المطاف، تُظهر تجربة العراق أهمية الوحدة الوطنية والدعم الدولي في مواجهة الإرهاب واستعادة الاستقرار. بينما في الحالة السورية، لا تزال الظروف معقدة بسبب التداخلات الإقليمية والدولية. هذه المقارنة تسلط الضوء على تحديات مواجهة الإرهاب في بيئات سياسية واجتماعية مختلفة، ومن المهم دراسة هذه التجارب لاستخلاص دروس للمستقبل.