نقد العقل السياسي العراقي الأزمة السورية مثلا هادي جلوووو مرعي
نقد العقل السياسي العراقي
الأزمة السورية مثلا
هادي جلو مرعي
الأضواء التي تسلط على الناس لاتعني إنهم فوق مستوى البشر.. السياسيون ولاعبو كرة القدم والمغنون والممثلون والناشطون في قضايا المجتمع والمدونون وصناع المحتوى هولاء جزء من حركة المجتمع، ولديهم تأثير قد يغير مجرى التاريخ، وبعضهم سبب حروبا دمرت الإقتصاد العالمي، وتسببت بقتل مئات ملايين البشر، الحكام الدكتاتوريون والمستبدون الذين يتحكمون بمصائر البشر، ويعبدهم ملايين الناس، ويقدسونهم، ويفرحون بهم، ويبكون عليهم إذا ذهبوا الى غياهب التاريخ بالرغم من المصائب التي سببوها، وحجم ماتركوه من أثر صادم في مجتمعاتهم، وفي الغالب يتجاهل الناس قيمة العقل والواجب ويتبعون مسار العاطفة، والولاءات الخاصة في تحديد مساراتهم فيذهبون بأنفسهم الى الهاوية، ويصرون على مواقفهم حتى بعد زوال الدكتاتوريات، ولايتراجعون عن ولاءاتهم المستندة على المصالح، أو العقيدة والقومية والطائفة غير المنتجة.
الأزمة السورية الأخيرة كشفت حجم السذاجة، ونوع العاطفة التي تحكم إتجاهات الرأي العام، ومواقف القادة والساسة. فمع تطور الأحداث، وسرعة إنهيار نظام الأسد خرجت تصريحات عدة من مسؤولين حول العالم ترحب، وأخرى تحذر، وثالثة تهدد وتتوعد، وأخرى ترفض ماجرى، وتعد بوقفه، وكانت هناك مواقف خرجت بعد دراسة ونظرة مرتبطة بالمصالح الحيوية العابرة خاصة مع وجود مكونات عدة قومية ودينية في سوريا. فقد رحب رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني السيد مسعود البرزاني بتصريحات كان أطلقها رئيس الإدارة المؤقتة أحمد الشرع حول الكورد وهي تصريحات مطمئنة، خاصة وهم هدف معلن لتركيا وحلفائها في شرق الفرات ومناطق من حلب وشمال شرق سوريا، والذين يواجهون خطرا محدقا بالرغم من دورهم الحيوي في التحالف ضد تنظيم داعش، لكن تركيا كالعادة ترى الكورد خطرا على مستقبل الدولة التركية بسبب الطموح القومي، وتطلعات الدولة الكوردية، وجوبهت تصريحات البرزاني بموجة من الإنتقاد والرفض من بعض الجهات السياسية والإعلامية في العراق التي عدتها تماهيا مع التغيير، وتأتي بالضد من مصالح الدولة العراقية التي إتخذ فيها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني مسارا واقعيا، ورفض إتخاذ تدابير لعرقلة التغيير في سوريا خاصة وإن ذلك الموقف كان قريبا من مواقف دول كبرى لها مصالح متجذرة في سوريا كإيران وروسيا اللتين حضرتا مؤتمرا في العاصمة القطرية تزامن مع دخول الفصائل الى دمشق، وجنى الموقف العراقي المتزن ثمار ذلك حيث أعلن وزير الخارجية السوري الجديد أن دمشق وبغداد معنيتان بمواجهة خطر داعش ومايعنينا هو مايخرح من تصريحات ومواقف الطرف الآخر وأن تكون جزءا من عملية سلام دائم وليس إعتمادا على العاطفة والولاءات بل المصالح المشتركة.
الإنتقاد الذي جوبهت به تصريحات السيد البرزاني سرعان ماتلاشى أمام تسارع الأحداث حيث تغيرت المواقف الدولية بالكامل، وصار الذين ينتقدون موقف البرزاني والسوداني من تطورات الأحداث يطرحون تصورات إيجابية بعد أن كانوا ينتقدون ويشتمون، ويطلقون التهم المختلفة التي بدت أنها مقصودة ومدروسة لحسابات سياسية، وربما كان بعضها ساذجا، ولايستند الى قراءة واعية للأحداث، والنظرة البعيدة في فهم مجريات الأمور، والتي مهدت للتغيير الذي سيكون له تأثير كبير في مستقبل هذه البلاد، والمنطقة، والمكونات الأساسية فيها على المستوى الديني والقومي، والذي يستند الى حقائق موضوعية تدعم فكرة التعايش والتعاون، وعدم تجاهل الحقوق الطبيعية لكل مكون بما فيها المكون الكوردي الذي يتوزع على جغرافيا ممتدة في منطقة الشرق الأوسط، ولايمكن تجاهل مطالبه وتطلعاته الى الأبد، وبدلا من التهديد والوعيد وشن الحروب فمن الأجدر هو النظر في المطالب، ودراستها، والتعاون من أجل تلبيتها، وتذليل كل الصعاب، ولعل التجربة العراقية خير مثال على ذلك. فعقود من الحروب والإهمال لم تنتج شيئا، بينما أحدث التفاهم والتعاون فرقا كبيرا حيث تطور إقليم كوردستان كثيرا على المستويات كافة، وهو ماإنعكس على كامل العراق الذي بدأ يتنفس، ويشهد نشاطا سياسيا وإقتصاديا كبيرا في الفترة الأخيرة تلمس المواطنون أثره في واقعهم اليومي، وهم يتطلعون الى المزيد.