الابتزاز ضد النساء في العراق :واقع مرير وجهود متواصلة للحد من الاستغلال رفل الحسن

الابتزاز ضد النساء في العراق: واقع مرير وجهود متواصلة للحد من الاستغلال
رفل المحسن
برعاية رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، وضمن المبادرة الوطنية لتنمية الشباب، أطلقت منظمة (نايا) بالتعاون مع المجلس الأعلى للشباب ودائرة المنظمات غير الحكومية حملة ضد الابتزاز الإلكتروني، مشددة على ضرورة الإبلاغ عن المبتز، وتوعية النساء بكيفية حماية أنفسهن من الوقوع في هذا الفخ.
الابتزاز في العراق عبر التاريخ
شهدت النساء العراقيات أشكالًا مختلفة من الابتزاز والاستغلال على مدار التاريخ، بدءًا من حقبة الحكم العثماني مرورًا بالاحتلال البريطاني وصولًا إلى العصر الحديث. خلال الحكم العثماني، فُرضت قوانين صارمة على المرأة العراقية، مما جعلها عرضة للابتزاز المالي والاجتماعي. أما في ظل الاحتلال البريطاني، فقد تعرضت بعض النساء للاستغلال نتيجة للقيود المفروضة على أدوارهن الاجتماعية والسياسية.
تصاعد الابتزاز ضد النساء بعد 2003
مع سقوط النظام السابق في عام 2003، تصاعدت حالات الابتزاز ضد النساء بسبب الفوضى الأمنية والتغيرات الاجتماعية، حيث تنوعت أشكال الابتزاز وتفاقمت في عدة مجالات، ومنها:
الابتزاز الإلكتروني
أصبح الابتزاز الإلكتروني من أكثر الجرائم شيوعًا مع انتشار الإنترنت، حيث يتم تهديد النساء بنشر صور أو معلومات شخصية مقابل المال أو تنفيذ مطالب معينة. ووفقًا لإحصائيات الشرطة المجتمعية، تم تسجيل ومعالجة أكثر من 1500 حالة ابتزاز إلكتروني في عام 2022 وحده، حيث كانت النساء والفتيات الصغيرات يشكّلن 80% من الضحايا. كما شهد عام 2021 تسجيل 1950 حالة ابتزاز، مما يعكس تزايد الظاهرة رغم الجهود المبذولة لمكافحتها.
الابتزاز السياسي والأمني
خلال فترات الصراعات المسلحة والطائفية، تعرضت بعض النساء للابتزاز من قبل جهات مسلحة أو متنفذين سياسيين، حيث تم استغلالهن للحصول على معلومات أو لتنفيذ أجندات معينة تحت التهديد بالخطف أو التشهير.
الابتزاز في بيئات العمل
واجهت النساء العاملات في القطاعات الحكومية والخاصة ضغوطًا غير أخلاقية، مثل الابتزاز الجنسي أو استغلال النفوذ للحصول على مزايا وظيفية أو ترقيات.
الابتزاز الاجتماعي والعشائري
في بعض المجتمعات العشائرية، تُجبر النساء على الزواج القسري كجزء من “الفصلية” أو تسوية النزاعات العشائرية، وهو شكل من أشكال الابتزاز الاجتماعي الذي لا يزال قائمًا في بعض المناطق.
الابتزاز الاقتصادي
بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة، استغل بعض السماسرة والجهات الفاسدة حاجة النساء إلى العمل أو المساعدات المالية، مما أدى إلى تعرضهن للاستغلال المالي أو حتى الاتجار بالبشر.
جهود الحكومة العراقية في مكافحة الابتزاز
استجابة لتزايد حالات الابتزاز، اتخذت الحكومة العراقية عدة خطوات لمحاربة هذه الظاهرة، من أبرزها:
تأسيس وحدات متخصصة
أنشأت وزارة الداخلية وحدات لمكافحة الجرائم الإلكترونية، مثل شعبة الجرائم الإلكترونية في مديرية تحقيقات الأدلة الجنائية، إضافة إلى دور الشرطة المجتمعية في دعم الضحايا. ووفقًا للإحصائيات الرسمية، قدمت الشرطة المجتمعية الدعم لأكثر من 9384 ضحية من ضحايا الابتزاز الإلكتروني والعنف الأسري والهروب خلال عام 2023.
توفير خطوط ساخنة للإبلاغ
خصصت الوزارة أرقامًا مثل 131 لتلقي بلاغات الابتزاز بسرية تامة، مما يسهل عملية الإبلاغ والتدخل السريع لإنقاذ الضحايا.
تطبيق عقوبات قانونية صارمة
يُعاقَب مرتكبو الابتزاز الإلكتروني وفقًا لقانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969، حيث تصل العقوبة إلى سبع سنوات من السجن حسب خطورة الجريمة.
حملات توعية وتثقيف
تم إطلاق حملات توعوية بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني ووزارة التربية لرفع الوعي بمخاطر الابتزاز وأساليب الوقاية منه.
مشروع الطوارئ الموحد (911)
أطلق رئيس مجلس الوزراء، محمد شياع السوداني، مشروع رقم الطوارئ 911 لتعزيز سرعة الاستجابة لحالات الطوارئ، مما يشكل خطوة مهمة في حماية النساء من الابتزاز وغيره من الجرائم.
النتائج الميدانية
أعلنت الشرطة المجتمعية أنها عالجت 181 حالة ابتزاز إلكتروني و190 حالة عنف أسري خلال شهري مايو ويونيو 2023 فقط، مما يشير إلى ارتفاع عدد الضحايا وحجم التحديات التي تواجهها الجهات الأمنية في مكافحة هذه الظاهرة.
أهمية التكاتف المجتمعي لمواجهة الابتزاز
رغم الجهود الحكومية المبذولة، فإن مكافحة الابتزاز تتطلب وعيًا مجتمعيًا مشتركًا، حيث يجب على الأفراد حماية بياناتهم الشخصية، وتجنب مشاركة معلومات حساسة عبر الإنترنت، والإبلاغ الفوري عن أي محاولة ابتزاز. فالإحصائيات تشير إلى أن النساء والفتيات القاصرات يشكلن النسبة الأكبر من ضحايا الابتزاز، مما يستوجب تضافر الجهود بين الحكومة والمجتمع ومنظمات حقوق الإنسان لمكافحة هذه الظاهرة وضمان بيئة آمنة للنساء بعيدًا عن الاستغلال والتهديد.
ختامًا: مسؤولية جماعية في مواجهة الابتزاز
إن التصدي لظاهرة الابتزاز يتطلب تكاتف الجميع، من حكومة، مؤسسات مدنية، وأفراد المجتمع. فعلى الرغم من أن الحكومة العراقية قد اتخذت خطوات ملموسة لمكافحة الابتزاز، من خلال وضع قوانين صارمة، تأسيس وحدات متخصصة، وتفعيل خطوط ساخنة للإبلاغ، إلا أن هذه الجهود لا تكفي وحدها لمواجهة الظاهرة بشكل كامل.
في هذا السياق، يجب أن يتم تعزيز دور الوعي المجتمعي في مكافحة الابتزاز. على الأفراد، وخاصة النساء والفتيات، أن يكونوا أكثر دراية بطرق حماية أنفسهم من الوقوع في فخ الابتزاز، سواء عبر الإنترنت أو في الحياة اليومية. يمكن تحقيق ذلك من خلال التوعية المستمرة حول أهمية حماية البيانات الشخصية، وعدم مشاركة المعلومات الحساسة على منصات التواصل الاجتماعي، وكذلك أهمية الإبلاغ عن أي حالة ابتزاز بأسرع وقت ممكن.
من ناحية أخرى، يجب على المجتمع المدني أن يواصل دوره في تقديم الدعم النفسي والقانوني للضحايا، من خلال برامج توعية، ورش عمل، ومجموعات دعم، تساهم في مساعدة الضحايا على تجاوز الصدمات النفسية التي قد تنتج عن الابتزاز. كما يجب أن يتم العمل على تعزيز ثقافة احترام حقوق المرأة، من خلال تدابير اجتماعية، ثقافية، وتعليمية لتقليص المخاطر المترتبة على المرأة، خاصة في المناطق العشائرية والمجتمعات التي تشهد قسوة اجتماعية ضد المرأة.
وفي النهاية، إن مكافحة الابتزاز هي مسؤولية لا تقتصر على جهة واحدة، بل هي مسؤولية جماعية، تتطلب تنسيقًا بين الحكومة والمجتمع المدني والقطاع الخاص. وبقدر ما نزيد من التوعية والوعي الجماعي حول هذه الظاهرة، سنتمكن من الحد من تأثيراتها السلبية على المجتمع، وضمان بيئة أكثر أمانًا للجميع.