شكرا نتنياهو هادي جلو مرعي
شكرا نتنياهو
هادي جلو مرعي
منذ العام 1948 لم نجد مسؤولا إسرائيليا يستحق الشكر كما هو الحال اليوم مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي ضرب بعرض الحائط قوانين الجغرافيا والتاريخ والأخلاق والمباديء الإنسانية والإتفاقيات الدولية التي تنظم العلاقات بين الدول والشعوب في السياسة والإقتصاد والأمن والتبادل الثقافي والتجاري، يساعده في ذلك رئيس أمريكي يتصرف بطريقة ساذجة في بعض المواضع، وبطريقة عقلانية في مواضع أخرى، وبالرغم من ثبات السياسة الإسرائيلية على الإبادة والجريمة والإستهتار إلا إن نتنياهو الملاحق بقضايا فساد، وربما بمرض السرطان يختلف عن كل رؤساء الحكومات التي سبقت في الكيان المحتل لأنه مارس القتل كما لم يمارسه من سبق، والوقاحة كما لم يفعلها قبله أي مسؤول خاصة في تصريحاته الفجة، والمؤلم إنه يستفيد من أخطاء العرب، وخلافاتهم، وخلافات الفلسطينيين فيما بينهم وهم يتصارعون على سلطة العدم سواء في غزة التي سويت بالأرض، ويخطط لنقل سكانها الى شمال جزيرة سيناء المصرية، أو في الضفة التي يهاجمها، ويخطط لضمها، وتهجير سكانها الى شرق الأردن، وينهي تماما فكرة إقامة الدولة الفلسطينية، ويلغي كل ماجرى الإتفاق عليه في معسكر داود وطابا وعربة وأوسلو، ثم هاهو ينسف فكرة التطبيع التي كانت فخا وقع فيه العرب، ولم يخرجوا منه، لكنه يهمله لسواه من أحلام يمهد الأرض لتحقيقها تباعا، وهو يجد دونالد ترامب يسارع لتقديم كل أشكال الدعم، ويهدد العرب، ويأمرهم بتنفيذ رغباته.
مايستدعي تقديم الشكر لنتنياهو قيامه ببعض السلوكيات، وإطلاقه لتصريحات مثلت صفعة على وجوه العرب الذين يتنابزون بينهم بالقوميات والمذاهب والدكتاتوريات والأكاذيب والعنتريات منذ الخمسينيات حين كانت الشعارات القومية تصدح في مختلف العواصم، ويتلقاها السذج في الساحات كوحي من السماء، قابلها فيوضات من الخزعبلات والأكاذيب بإسم الدين والعداوات والتفرقة والسجون والمقابر والحروب البينية والمؤامرات، وهاهو دونالد ترامب يطلق تصريحاته التي يطلب فيها من مصر والأردن إستقبال فلسطيني غزة، ويستدعي القادة العرب الى واشنطن حتى قبل أن يقوم بأي رحلة خارجية منذ تسنمه زمام الحكم في البيت الأبيض، يتبعه ضيفه بنيامين نتنياهو بتصريح ناري عن إقامة دولة فلسطينية في السعودية التي قدمت مبادرتها في قمة بيروت عام 2002 وإشترطت إقامة دولة فلسطينية وفق مبدأ حل الدولتين قبل الحديث عن أي تطبيع مع تل أبيب، ويبدو أن ذلك كله أصبح خارج حسابات القيادة اليمينية المتطرفة التي تضمر خلاف ماتظهر، وتقرر المستقبل، بينما تبعث التطمينات هنا وهناك. وبعد أن نسفت غزة، وسوتها بالأرض قررت نسف الماضي والحاضر، وبدأت تطرح الأفكار والمواقف التي تلائم مخططاتها للمستقبل، وماعلى العرب سوى الموافقة.
شكرا نتنياهو لأنك أبلغتنا جميعا إننا يجب أن نستسلم لعلنا نضع خلافاتنا المذهبية والحدودية ورغباتنا جانبا لعلنا نستطيع القيام بشيء يوقف ذلك التردي والإنهيار والضياع الذي قررناه بسذاجتنا حينا، وبرغباتنا حينا آخر على حساب وجودنا الديني والقومي. فترحيل الفلسطينيين الى الأردن، أو مصر، وإقامة دولة لهم في السعودية يمثل قضاءا ليس على فلسطين التاريخية، بل على مصر وحضارتها العظيمة، والأردن التي تحملت الويلات من الصهيونية، وكذلك السعودية الطامحة برؤية الى المستقبل. فكل مايمكن تقديمه لإسرائيل وأمريكا لايعني شيئا لهم، وهو بمثابة خدمة يقدمها العبد لسيده، أو هكذا هم يعتقدون بنا، وهذه هي الرسالة الأخيرة التي يوجهها نتنياهو لنا.