فلسفة الكتابة بين النضج والهوان عبير محمود القيسي

فلسفة الكتابة بين النضج والهَوان
عبير محمود القيسي
لم يكن نقش القلم بالشيء اليسير، ولا حفر الاسم بالمسؤولية الهيًّنة، فالكلمة مسؤولية تقع على عاتق قائلها أو كاتبها، والمقال امانة يتحمل ثقلها الكاتب بما تحويه من معالجات مباشرة لنزيف المجتمع اللا أخلاقي والشاذ عن قواعد الوعي والتثقيف العام، يريدون الوصول إلى لقب الكاتب وكلمته دون أن يدركوا بأنه تم دفع الضريبة كاملة عن كل ما توصلت إليه حيث حصاد الخبرة، وجني المعلومات وتخطيط الافكار على حبر من ورق أستغرق هذا عمري بأتمه وتم استبدال خلاله كافة المعطيات الجاهلة إلى معطيات رقمية ذات احصاءات دقيقة عما يحدث في الحياة والعالم، فالكاتب والباحث وجهان لعملة واحدة يبحثا عن وعي مكثف فيما يحدث من مستجدات في سلوك الطبيعة والناس؛ ! بل في منهجية العقل وسلوك القلب! لابد من وجود ثغرات يعالجها الكاتب لتستقيم، ولا بد من نبوءة يتنبأ بها قبل وقوعها فهو بمثابة نبي وحيَه مشاهداته المكثفة لما يقع داخل اطار الحياة، فلماذا نحسد على آلة مفكرة يمتلكها الجميع لكنهم لا يمتلكون لغة القلم وبسالة لونه ورباطة جأش كلماته؟ لماذا يجب علينا أن ندفع المزيد من الاثمان كوننا حالة نادرة تختلف عن سواسية الناس في طريقة عيشهم ووعيهم ونضجهم المسبق لكل فترة من فترات حياتهم؟ أعتقد أن النضوج الفكري يبدأ من البحث عن أسباب لمشكلة ما ، والذكاء يبدأ من الشك بما يجري وعدم تصديق كل ما يقال فالأنسان يبني معيار لإرائه من خلال ما يلاحظ ويفحص من وقائع الامور لا من خلال الإشاعات المغرضة والقيل والقال التي تحدث في مجالس الجهلاء، الكاتب من يخط طريق الوعي بأدوات تنفيذية تتمثل في دقة مصادره وصدق نبوءته وتوظيفها في نهر المواقف القادمة ليثبت قلمه للعالم قوة الكلمة وما تفعل، فبالكلمة سقطت أنظمة وقتل مذبوحًا صاحب الحس المرهف ورفع شأنٌ صاحب الأمتياز في سلوكه واداءه، فهي سيف اللسان أن كان حاد وناعم ففي الحالتين تنفيذية الكاتب كلمته وصدقها، وغير ذلك غير مقبول ولا يعد مؤشر على نجاحه لأن نجاح الكاتب يكمن في أمكانية تأثير سطوره المعتمة بقلم أسود أو ازرق في الناشئة والشيبة والراشدين وغير ما يشاع من ذلك فهو باطل ، وفي رأيي أن الكتابة بحر عميق تستغرق الفكر كله، وتسرق من الانسان الكثير كأن تأخذ عيونه وخزينه من الأفكار المندرجة في عقل واحد يسع الكون إلا فكرة في باطنه، شغلها الشاغل أن تخرج إلى العالم وتصحح مساره، لذا فلا ينبغي التسلق على لقب كاتب دون لغة كتابية مفهومة المعنى وطاغية الحضور، لأنها فن وصياغة وادب ومن الصعب جداً على غير المتأدبين أن يخوضوا عسرها بحبكة واقعية ومعالجة درامية وفنية ، لا تتتسلق على الأدب كي لا تقع وتكسر فيبقى كسرك يعاني الألم ما حييت.